نبذة عن حياة
الفاتح
ولد
الثاني بن مرادالثاني بن
الأول في 26 رجب سنة 833 هـ (20 نيسان/أبريل 1429م)، وتولى الحكم فيسنة 1451م وهو شاب لم يتجاوز عمره اثنتين وعشرين سنة وحكم لمدة ثلاثين سنة (1451-1481م) . واشتهر في التاريخ بلقب
الفاتح لفتحه القسطنطينية ، وهو من بينالفاتحين في التاريخ العالمي في هذه السن المبكرة ، ومن بناة الحضارة الراقيةوالمجد الرفيع .
ورث
الفاتح دولة قوية واسعة، ولكنها لم ترض نفسهالطموح بأن يكتفي بأمجاد أسلافه ، ويعيش في رفاهية ونعيم بل صمم على أن يزيدأمجاداً جديدة إلى أمجادهم الإسلامية بفتوحه في أوروبا وآسيا الصغرى ، ويتوج تلكالأمجاد وأمجاد الإسلام عامة بتحقيق حلم راود المسلمين مدة ثمانمائة عام[2] ، وهوفتح القسطنطينية ، عاصمة الدولة الرومانية الشرقية ، العدوّة القديمة للإسلاموالمسلمين منذ عهدهم الأول . وكان هذا الفتح أقسى ضربة سددها الإسلام في وجه أوروباالنصرانية في تاريخها الطويل على يد هذا الفاتح ، ومن ثم نرى معظم المؤرخينالغربيين ينالون من
الفاتح وينعتونه بأبشع الصفات ، ولم يشذ عنهم حتى المستشرقالإنجليزي المعتدل(لين بول Lane Poole)، وهو محض افتراءوبهتان ، لم يدفعهم إليه إلا الحنق والغيظ لمحو اسم الدولة البيزنطية وريثةالإمبراطورية الرومانية من خريطة التاريخ إلى الأبد .
كان السلطان
الفاتح عبقرية فذة من عبقريات الإسلام ، فلم يكن مجرد فاتح مغوار وقائد عسكري مظفّر، بل كان يجمع بين صفات القيادة العسكرية الموفقة وبين الثقافة العلمية الرفيعة [3] ، يقود الجيوش ، ويفتح المدن والدول ، ويتذوق العلوم والآداب والفنون بمختلفأنواعها ويقدرها ويرعاها وينشئ ويعمر . ولقد أشاد بذكره المؤرخون المسلمونالمعاصرون له كابن تغري بردين وابن إياس ، والسخاوي ، والسيوطي ، وابنالعمادالحنبلي ، فيما كتبوه من ترجمته في مؤلفاتهم التاريخية العامة ، وأثنوا عليهثناء عاطراً ، ونوهوا بفتوحه وعلمه . فمن ذلك ما قاله المؤرخ ابن إياس عندما بلغهنبأ وفاته : "وفي ربيع الأول جاءت الأخبار بوفاة السلطان المجاهدالغازي صاحب القسطنطينية وهو
بن مراد بن
..وانتشر ذكره بالعدل في سائرالآفاق ، وحاز الفضل والعلم والعدل والكرم الزائد وسعة المال وكثرة الجيوشوالاستيلاء على الأقاليم الكفرية وفتح الكثير من حصونها وقلاعها.."[4]
"إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فيناحديث رسول الله
سلم ، ومعجزة من معجزاته ، وسيكون من حظنا ما أشادبه هذا الحديث من التقدير..فأبلغوا أبناءنا العساكر فرداً فرداً أن الظفر العظيمالذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدراً وشرفاً ، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم دينناالحنيف نصب عينيه ، فلا يصدر عن واحد منهم ما ينافي هذه التعاليم ، وليتجنبواالكنائس والمعابد ، ولا يمسوها بسوء أو بأذى ، وليدعوا القساوسة والضعفاء الذين لايقاتلون.." [7]
وظل الجند المسلمون طوال الليل يهللون ويكبرون حتىإذا لاح الفجر صدرت إليهم الأوامر بالهجوم ، فتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة منكل فج ، وأعملوا السيف فيمن عارضهم ، ودخلوا كنيسة آيا صوفيا حيث كان يصلي فيهاالبطريق وحوله عدد من الأهالي ، أما قسطنطين فقاتل حتى قتل ، فدخل عندئذ
الفاتح إلى قصر الإمبراطور ، وعمت بشائر الفتح في جميع العالم الإسلامي ، إذ كتبالفاتح إلى السلطان المملوكي الأشرف إينال وإلى شريف مكة ، كما أرسل إليه بعضالهدايا من الغنائم والأسرى ، وأقيمت في مصر الزينات والاحتفالات لمدة ثلاثة أيامابتهاجاً بهذا الفتح حسب كلام المؤرخ ابن تغري بردي.
بعد ذلك زار السلطان
كنيسة آيا صوفيا ، وأمر بأن يؤذن فيها بالصلاة إعلاناً بجعلها مسجداًللمسلمين[8] ، وأصدر أوامره بمنع كل اعتداء ، وبأنه لا يعارض في إقامة شعائر ديانةالنصارى ، بل يضمن لهم حرية عقيدتهم ، وحفظ أملاكهم فرجع من هاجر منهم وأعطاهم نصفالكنائس وجمع أئمة دينهم لينتخبوا بطريقاً يكون رئيساً لطائفتهم.
وفاة
الفاتح :
هكذا وبعد ثلاثين سنةمن الحروب المتواصلة للفتح وتقوية الدولة وتعميرها ، فاجأ الموتُ السطانَ
الفاتح في 4 ربيع الأول 886 هـ/3 مايو 1481م في أُسكُدار في معسكره وبين جنوده ، إذكان قد أعد في هذه السنة إعداداً قوياً لح(( مجلة الأمة ، العدد 21، رمضان 1402 هـ ))ملة لا يعرف اتجاهها لأنه كان شديد الحرصعلى عدم كشف مخططاته العسكرية حتى لأقرب وأعز قواده . وقد قال في هذا الصدد عندماسئل مرة: "لو عرفته شعرة من لحيتي لقلعتها" .
وهذهالسرّية العسكرية التامة ، مع الإيمان الصادق ، كانت سر نجاحه في كثير من حملاتهوفتوحه ، ودفن في الضريح الذي شيده في جامعه بالقسطنطينية المعروف بجامع الفاتح ،بينما غلبت روح الكآبة والحزن على الأتراك لفقدهم سلطانهم الحبيب وعمّ العزاءوالرثاء في العالم الإسلامي لموت هذا المجاهد المسلم.